سطعتُ على نفسيْ شعاعاً يغادرُ
ويشرقُ صمتاً والفلاةُ مقابرُ
كطيرٍ يرى الأجواءَ مؤتزرَ النوى
وغيمُ الخريفِ في السماءِ يسافِرُ
وحلَّقتُ في حقلِ التذكُّرِ غدوةً
أميطُ دجى نفسي فيصحو التذاكرُ
أنوءُ غريباً فوقَ أرجاء حاضريْ
وأسرحُ كلاً حيثُ ماضيَّ حاضرُ
إلى حيثُ أرقى فوقَ كلِّ عوالمٍ
إلى عالمٍ يرقى فترقى المشاعرُ
رأيتُ صليبَ الله في كلِّ بقعةٍ
يريقُ دميْ...والطينُ مني عناصِرُ
فرمشيَ من أعتابِ بابلَ إنما
أكفِّيَ إيبلا والضلوعُ المعابِرُ...
رأيتُهُ نشواناً ويرنو إلى العلا
رأيتُ (أنا) أخبو وطرفيَ ناظرُ
ولكنَّهُ نفسيْ بغيرِ ملامحيْ
ووجهيْ بغيرِ الحزنِ والقلبُ سافِرُ
***
تجمَّعَتِ الأمصارُ بعدَ تفرَّقٍ
من التيهِ ترنو والعيونُ سرائرُ
تقلِّبُ كفَّ الأمسِ حيرى غريقةً
بلجةِ فكرٍ حينَ عامَ التذاكُرُ
تجمَّعَ منها كلُّ صمتٍ وهمسةٍ
بمجمَعِ أمٍ والأصيلُ يسافرُ
فكلٌّ له دهرٌ وكلٌّ بيومهِ
دهورٌ وصمتُ الخلدِ فيهنَّ غائرُ
تقولُ وقد لاحتْ ملامحُ أمِّها
أكانت لنا فخراً وفينا نفاخرُ؟
أكنا على شطآنها صوتَ موجةٍ
وفي ليلها ناراً ومنها المجامرُ
فما نحنُ كنا غيرَ حبرٍ بأسطرٍ
ليقرأنا بعدَ الغياهبِ شاعرُ...
ويعرفَنَا الماضونَ... نحنُ عوالمٌ
لكلِّ غريبٍ في الضياعِ يصابرُ
فياسورتي قولي...أنحن من انبرى؟
بليلِ التنائيْ أم سبتنا المقابر؟
لئن طالَ ليلٌ إننا ضوءُ صبحنا
وإن ضيعتنا البيدُ إنا المنابرُ
فيارُبَّ سوريا تغورُ ليعتلي
عليها لسوريا لواءٌ وآخرُ...
فللهِ ضوءٌ إذ نقولُ قد انبرى
يحولُ صباحاً والغيومُ تغادرُ
***
وما اللهُ يا سوريتي غيرُ ممسكٍ
بكفِّكِ لما عاركتهُ المصائرُ
وعيناكِ ترنو للبعيدِ وقد غفى
بطرفكِ وقعُ الصحوِ والعصرُ طائرُ
كتمثالِ خلدٍ فوقَ شطِّ أوابدٍ
يلاطمهُ موجٌ وفي الرملِ غائرُ
وكلُّ الألى كانوا على الشطِّ قد مضوا
وطرفُكِ ممدودٌ وظلكِ زاخِرُ
فمن كُلِّ كفٍ قد ذرفتِ ممالكاً
وفي كلِّ شطٍ قد بقيتِ وغادروا
وفي الأفقِ وجهٌ للأصيلِ محلقٌ
وبعضُ حمامٍ ثُمَّ صمتٌ يجاهرُ:
لنا نحنُ سوريا بحارٌ وشاطئٌ
وللخلدِ أن يطويْ شراعاً يسافرُ
وللهِ مجدٌ في الأعالي ومالنا
على أرضنا غيرُ السلامِ نؤازِرُ