البيك
عدد الرسائل : 232 العمر : 34 البلد : لبنان.الجنوب العمل في المديرية : غير مذكور تاريخ التسجيل : 05/06/2008
| موضوع: الإحتفاء بالأول من آذار مع الزعيم في منزله في بيروت- الامين عبدالله قبرصي الثلاثاء يونيو 17, 2008 6:06 pm | |
|
يقول الامين قبرصي : كان الاحتفال بالاول من آذار مصادفة جميلة بالنسبة لي ، فقد كنت ابتاع زجاجة مشروب من احد المحلات الكائنة في باب ادريس ، حيث التقيت بالمرحومين نعمة تابت ومأمون أياس ، يشتريان باقة زهور ...سألت نعمة عن السبب ، فأجابني : اليوم ليلة اول من آذار وهو عيد مولد الزعيم ، رافقتهما الى بيته، ووصلنا الى الكـوخ المؤلف من ثلاثة غـرفة متداخلة(استقبال ، مكتب ، غـرفة نوم ) .
ليلتها ، بعد مصافحة الزعيم وتقديم الزهور وزجاجة المشروب هدية له ألقيت كلمة ما زلت اذكر منها هذه الكلمات : " جئنا نعيّد عيد ميلادك هذا المساء ، حاملين هذه الباقة من الزهور ، واني لأتصور ان هذا العيد المتواضع سيصبح في مقبلات الايام عيداً قومياً ، لا يعيد في غرفة ضيقة كهذه الغرفة ، بل تعيده البلاد بطولها وعرضها ، سوريا الطبيعية ، هلالنا السوري الخصيب " .
ويتابع الامين قبرصي : " يومها ألقى المعلم كلمة قصيرة ، ثم قال : " ان الذين يلبون الدعوة ويدخلون في صفوف الحزب السوري القومي الاجتماعي يقسمون يمين الانتماء ، وأنا سأقسم يمين الزعامة . يذكر جورج عبدالمسيح انه كان موجوداً ، في ذلك الاحتفال ، وأنا لا أذكر تماماً ، اذا كان شاركنا تلك الليلة ام لا .
هذه الكلمات التي قلتها في تلك الغرفة المتواضعة ، كررتها في بيت اسكندر شاوي سنة 1949 وفي المناسبة عينها وكان بيننا نقيب المحامين يومها جان تيان ، وكان الزعيم يحبه ويحترمه ، وأذكر اني قلت ايضاً : " اتصور يا زعيمي ان هذا العيد الذي نعيّده هذا المساء ، بحضور هذا النخب من الرفقاء والمواطنين قد اضحى عيداً قومياً ، واتصورك يا زعيمي على صهوة جوادك تستعرض الجيش القومي الاجتماعي الذي سيزحف ، لتحقيق هذه النهضة بالسلاح ، اذا لم تتحقق بالقناعات ... وقد ذكر الزعيم في خطابه ، الذي اعتبرته فيما بعد وداعياً ، لأن الزعيم استشهد ذلك العام ، ذكر حكاية اول احتفال اقمناه في رأس بيروت سنة 1935 .
في هذه الايام الاخيرة انا منعكف على تأليف كتاب اسميته " رجال واحداث " ، كتبت منه حتى الان حوالي ستين صفحة ، اربعون منها عن انطون سعاده استذكرت منها ما قلته عندما كنت لاجئاً سياسياً في فنزويلا : ان امثال سعاده يأتون كل ألف سنة مرة ، واذا بي اسمع من رفيقنا الراحل المحامي نظمي عزقول ، انه ذهب في يوم من ايام سنة 1949 ، بعد استشهاد المعلم ، لزيارة استاذه الرئيس فارس الخوري في دمشق ، وصعق عندما قابله الاخير بالبكاء . وسأله عزقول عن السبب فأجاب خوري : انني ابكي انطون سعاده ، لأن امثاله يأتون كل الف سنة مرة . وأنا بدوري أعود للتأكيد ، وبعد مرور خمسين عاماً على استشهاد الزعيم ، ان المواهب والقدرات والابداعات ، وما ألّف وكتب ، وما قال وخطب ، تثبت صحة ما قلته في فنزويلا وما أكده فارس الخوري .
اكاد اقول ان امثال انطون سعاده يأتون من الاساطير ، لأني اكتشف بعد مطالعاتي وهي كثيرة ، ان التاريخ الطويل الذي اطلعت على كثير من فصوله ، لم يأت برجل مثل هذا الرجل ، كان مستخفاً بالموت وساخراً منه ، حتى يسوع المسيح الذي نؤلهه ، نحن المسيحيين ، لم يقف امام الموت مستخفاً ، كما استخف به انطون سعاده عندما قال لجلاديه : " دعوا عيني مفتوحتين " .
وهذا موقف سمعته منه بأذني - عندما كان لي أذنان - في بشامون في حضور رئيسنا السابق المرحوم عبدالله سعاده ، والامير مجيد ارسلان . قال الزعيم يومها في خطاب له : " ان حياتي تساوي عندي " تكة " وحك احد اظافره بالثاني اشارة لتلك " التكة " - لأن الحياة بنظري كلها وقفة عزّ " وكان ذلك على شرفة منزل رفيقنا عادل مسعود الذي لا اعرف عنه اليوم شيئاً .
ليست قصة الاستخفاف بالموت امام الغايات السامية مسألة هينة ، او بسيطة ، فالمرء يكاد من صبحه الى مسائه يفكر في الموت ، ويخشاه ، وانطون سعاده كان في صبحه الى مسائه يفكر في الحياة ، ولم يخشَ الموت لحظة او يفكر به . هذه العبقرية في الفكر والنظام تضاف الى البطولة التي لم اجد لها مثيلاً كلها تجعلني اؤكد ان امثال انطون سعاده يأتون كل ألف سنة مرة .
وفي كتابي الذي أكتبه هذه الايام وآمل ان اتمكن من انهائه ، أذكر اننا متهمون بتأليه انطون سعاده ، نحن لا نؤله الرجل ، ولم نقل في اي يوم انه كان نبياً ، ولكنه بحق مثال انساني نادر ، لقد سمعته في شهر أيار سنة 1935 يلقي خطاباً في منزل احد الاطباء من آل حماده في بعقلين ، وكان الحزب ما يزال سرياً . في اليوم التالي قلت لنعمة ومأمون : " تكلم الزعيم مساء أمس ، كما يتكلم الانبياء " وأخبرتهم ان الزعيم اعطاني نسخة من دستور الحزب للاطلاع عليها ومراجعتها ، وقد كلّفني بتنسيق الدستور واقتراح ما يلزم من اضافة إليه اذا كان لا بد من اضافة ، وقد اضفت مـادة تقول : " لا يتخذ الزعيم اي قرار هام إلا في مجلس العمد ، وبعد ان سمعته اليوم ، اعترف اني اخطأت ، وسأرفع له رسالة ، أقترح فيها شطب هذه العبارة ، واستبدالها بعبارة " الزعيم مصدر السلطات التنفيذية والتشريعية ، وقائد قوات الحزب الأعلى " . فبعد الخطاب الفذ تأكد لي انه يجب عدم تقييد الزعيم بنصوص تكبّل عبقريته وتحدّ من قراراته .
ونعود الى الاول من آذار ، لأول أول آذار ، احتفلنا به ، يومها لم نكن مدفوعين إلا بعامل التقليد ، كان تقليداً غريباً عن عاداتنا ، ان يعيّد الناس من يحبونهم ويحترمونهم بعيد ميلادهم ، هذا الامر لم يكن مألوفاً عندنا ، هذه عادة آتية من الغرب ، ونعمة تابت الذي حمل ثقافة غربية ، من الجامعة الاميركية وتعلّم من جدته ووالديه الذين حملوا ثقافة انكليزية ، هو الذي نبّهنا الى هذا العيد ، واستمر الاحتفال بالعيد من هذه الزاوية ، ولكنه مع الايام تحوّل الى عيد قومي ، عيّدناه يوم كان الزعيم في مغتربه القسري ، وعيّدناه في السجون ، في سجن الرمل ، وسجن القلعة ، بالرغم من الضغوط والتهديد بالعقوبات ، فالاول من آذار بات يعني لنا عيد ميلاد النهضة ، عيد ميلاد مؤسس الوعي القومي .
ومن ذكرياتي مع الاول من آذار لا بد ان اشير الى احتفال سنة 1964 ، يومها توجّهت الى المكسيك من جزيرة كوراساو ، ونزلت ضيفاً على رفيقنا الراحل جليل رحباني ، ودعانا احد اصدقائه لتمضية بعض الوقت في الارياف ، ولبّيـنا الدعوة ، وكان يومها 27 شباط . وفي غيابنا حضّرت منفذية المكسيك للاحتفال بأول آذار في النادي اللبناني ، وطبعت بطاقات دعوة ، ذكرت فيها اني سألقي كلمة ، ومن جملة من دعت سفير لبنان في المكسيك ، آنذاك المرحوم نجيب الدحداح ، وعند تلقيه الدعوة استاء السفير ايّما استياء ، واعتبر الامر تحدياً له ، لأن عبدالله قبرصي محكوم بالاعدام في لبنان بعد المحاولة الانقلابية . فما كان من السفير إلا ان حوّل الدعوة الى وزارة الخارجية المكسيكية طالباً إليها تسليمه القبرصي ليعيده الى بلاده .
استدعاني الامن العام ، واستجوبني ، فاخبرت رئيسه حقيقة الحزب ، وقلت له : لقد قرأت دستور بلادكم جيداً قبل ان أفد الى بلادكم ، وفيه مادة صريحة تنصّ على انه لا يجوز تسليم المحكومين السياسيين ، وأعرف ان بلادكم انتزعت حريتها بقوة السلاح ، وبالثورات ، فجـئت الى ارض الحرية ، أرض كرامة الانسان ، فأطلق الرجل سراحي ، وأقمنا في بيت الرفيق جليل الرحباني احتفالاً كبيراً احتشد فيه القوميون الاجتماعيون مع المواطنين .
لقد ارتاح انطون سعاده الى بادرة القوميين الاجتماعيين ، وارتاح اكثر عندما ذكرت له ان هذا العيد ستعيّده الامة السورية ، وهنا يجب ان اسجل هذا الكلام للقوميين الاجتماعيين والمواطنين وهو اني لم اجد في حياتي انساناً متواضعاً ، لطيفاً ، محباً ، دمثاً ، خفيف الظل مثل انطون سعاده ، فهو لا يعرف الاستكبار ولا الاستعلاء ، ولكنه عندما كان يتصرف بشيء من الجدية والوقار ، فلأن الزعامة ، لا يمكن ان تكون خفيفة كالفراشات ، انها ثقل ، ووقار وهيبة وجدّ .
اليوم على باب الالف الثالث الميلادي لا بد ان نقف وقفة صادقة مع أنفسنا ، لنقول حقيقة الامر ، لقد افشلت كل الحركات السياسية التقليدية ، لكن امتياز عقيدة سعاده وحزبه انه ظل ممسكاً بمناصة الفكر الحيّ ومنسقاً مع العلوم وقضايا الامة التي يتسارع آخرون باتجاه ادارتها ، فالاحداث تعلم الاجيال . وهذه الامة بنظري ونظر المؤمنين بهذه القضية ، ستبقى وستستمر الى ان تصبح حقيقة حيّة ساطعة على الامة السورية كلها ، فالزمن مهما طال ، لن يستطيع ان يلغي النهضة ولا قضيتها ، لأنها قضية علم وواقع ، وليس رواية من نسج خيال او عاطفة ، انها حقيقة بديهية تؤكدها الجغرافيا والتاريخ والانتربولوجيا والعلوم الحديثة ، انها دعوة الامة الى طبيعتها ، ونحن نؤمن ان هذا الهلال السوري الخصيب وحدة جغرافية اقتصادية ، اجتماعية ، ثقافية ، لا يفصل بين كياناتها إلا حواجز مصطنعة ، وهذه مسألة يعرفها الجميع ، وقد أثبت التاريخ واثبتت الوقائع بطلان العقائد التي ناقضتنا بالامر ، ولذلك فقضية الامة السورية هي قضية القرن الجديد ، وهناك مواطنون اصدقاء يؤمنون بالقومية العربية ، وقد قرأت مؤخراً ان الدكتور جورج حبش مؤسس حركة القوميين العرب يقول اخيراً بأربع وحدات عربية (الهلال الخصيب ، المغرب العربي ، وادي النيل والخليج العربي) . وهذه الوحدات تعني اربع امم ، ونحن نقول بأربع أمم ونجمعها في جبهة عربية واحدة . وعندما تتحقق هذه الامم سنسعى على غرار اوروبا الى خلق جبهة عربية واحدة ويمكن ان تتطور وتصبح مع الزمن اتحاداً واحداً .
واذا كان سعاده قد قال في كتابه العلمي " نشوء الامم " : قد يصبح العالم كله أمة واحدة ، فإني أذكر اني كنت اتمشى معه في ضهور الشوير ، عندما قال لي : " اتصوّر يا أمين عبدالله ، ان المريخ مسكون من قبل قوم ، وخطر ببال اولئك القوم ان يحتلوا كوكب الارض ، ومن اجل ان تدافع الارض عن مصيرها ، تتحد بكل شعوبها لمجابهة الخطر الخارجي ، وتصبح الارض وحدة حقيقية واقعة ، لأنها تجابه مصيراً واحداً ... " . وهذا يفسر ان فكرنا فكر علمي واعتقد ان المستقبل للعلم ، ولأننا علميون ، والمستقبل لنا ، ولو بعد مئات السنين ، لا يمكن إلا ان تتحقق هذه الفكرة القائمة على العلم والعقل .
البناء - صباح الخير -العدد 962 تاريخ 06/03/1999
| |
|